حليمة مظفر
لا أعلم لماذا أعيننا"نحن" في الشوارع والأسواق والمطاعم وفي العزاء والأفراح دائمة التلصص على بعضنا البعض، إنها تتبعك أحيانا حتى تختفي عن نظرها سواء كانت بعينين أو أربع عيون، تتأمل العباءات السوداء وطريقة دورانها على أجساد، كثيرها يعاني "الشحمة" ولا بأس في استراق ما تحت السواد البهي من بياض أو سمار أو ألوان قوس قزح المبهجة، فيما تتأمل الثياب البيضاء والأشمغة الحمراء وماركتها ولا بأس في إعطاء مقاس لعرض منكبين أو قصر قامة ... إلخ، وكأننا ننظر لبعضنا البعض على أننا كائنات فضائية غرائبية تمشي على المريخ لا على الأرض، نبحث عن شيء ما ضائع منا ربما نجده عند الآخرين ولا بأس في استهجانه وإنكاره لحظتها رغم ميول النفس إليه، أو ممارسته ليلا تحت "طاقية" التخفي، والسبب أنفلونزا "الازدواجية".
وبالطبع، أصبحنا مؤهلين لاقتحام خصوصية بعضنا البعض دون سابق معرفة، بعد أن اعتدنا على اقتحامها لمجرد أنك ابتسمت في وجه زوجتك بمكان عام، فذلك مثار ريبة وشك يمكنه من سؤالك: مين المرة اللي معك؟ تجيب: زوجتي، يسأل: وين إثباتك؟ والله عقد النكاح بالبيت ؟ وحين تطلب منه إثباته يظهر لك أنه مجرد متعاون يريد الأجر والاحتساب ولا ضير في تبليغه عنك ما دمت تخرج عن الشكل المألوف.
وتبرز "نحن" كـ"ملاقيف" حين ترصد ظاهرة على الطريق السريع، تمشي في أمان الله وفجأة تجده قد أصبح بطيئا جدا، وكأنك تمشي على قشر بيض "بلدي"، تقول في نفسك "الله يستر" من حادث مفجع وموتى، أو ربما قُبض على إرهابيين ومجرمين، وتمر دقيقة تلو أخرى وأنت تتعوذ وتبسمل على "روحك" إلى أن تجد سيارة قد أصيب رأسها بشق صغير من أخرى على جانب الطريق، وصاحباها واقفان منتشيين بالتجمهر، وبعد أن تقلد الآخرين في النظر، تبدأ بـ"اللعن والشتم" على الملاقيف الذين سرت معهم في الطابور، والمصيبة تعظم إذا ما كان الحادث مفجعا حقا، ولكن تجمهر الملاقيف يعطل سير الإسعاف حتى تخرج الأرواح لبارئها وما يزالون وقوفاً.
ولأن "نحن" ملاقيف، تزداد "هذه" انتشاء حين تجد من لا تعرفه إلا منذ دقيقة واحدة في جلسة ما أو مقهى ويريد أن يعرف سيرتك الذاتية منذ الولادة، بداية من "وش" قبيلتك وأصلك وفصلك؟ وكم عمرك وختاما بهل تزوجت؟ ولماذا لا؟ وكم راتبك وعلاوتك؟ دون إذن أو دستور، وبطبيعة الحال ما أفصحت عنه معه سيكون مادة "خبرية" في اليوم التالي مع آخر لا يعرفك مجرد "لقافة" و"طقة حنك"!
ولا ضير من نقل هذه الظاهرة التي اختصصنا بها "نحنُ" ضمن خصوصيتنا الثقافية إلى خارج الحدود الوطنية،و نتحول إلى "ملاقيف" ننظر للآخرين وكأننا كائنات تمشي على قدمين دون رؤوس في بلاد "عقلة الإصبع"، ولكن ألم تغرِ هذه الظاهرة علماء الاجتماع وعلماء النفس لدينا بـ"اللقافة" ولو قليلا لدراستها ؟ لمعرفة من أغرانا بانتهاك خصوصية الآخرين دون احترامها ؟!وما الخسارة النفسية التي نفتقدها ونعوضها حين نتحول لـ"ملاقيف" ؟ وهل يمكن أن نوجه الاتهام لجرثومة "أنفلونزا الازدواجية" لإدانتها ؟ ونعجل باكتشاف لقاح للوقاية منها ومحاولة الشفاء السريع؟
*نقلا عن جريدة "الوطن" السعودية