رجا ساير المطيري
لو حكمنا على الأمر من ظاهره لقلنا أن كثرة برامج الفتاوى الدينية التي ستعرضها القنوات الفضائية في شهر رمضان هي من دلائل الخير التي ينبغي الفرح لها وتشجيعها لأنها -وهذا لا جدال فيه- تبدو أكثر ملاءمة لروحانية الشهر الفضيل من المسلسلات الدرامية التي امتلأت بكل ما هو خادش ومزعج، كما أنها تثبت حرص الناس على معرفة أمور دينهم ما صغر منها وما كبر.. وهذا ما يبدو من الظاهر.. لكن لو نظرنا إلى الأمر من زاوية أخرى فسنجد أن هذه البرامج تحمل دلالات سلبية تثبت عكس ما نعتقده فيها.
ولكي أوضح ما أقصده دعني انطلق من كلمة قالها الشيخ الدكتور سلمان العودة قبل سنة في برنامجه المميز "حجر الزاوية" عندما وجه حديثه إلى المشاهدين طالباً منهم الكف عن طرح الأسئلة البسيطة التي يمكنهم العثور على جواب لها بسهولة لو أنهم اجتهدوا قليلاً وبحثوا عنها في بطون الكتب المتوفرة في جميع المكتبات.
لقد طلب الشيخ سلمان من المشاهدين أن لا يعتمدوا عليه في الحصول على المعلومة وأن يكونوا أكثر استقلالية وإيجابية وأن يقرأوا الكتب وأن يجتهدوا في البحث. إنه يطلب منهم أن يكونوا مثله قراء باحثين جادين عارفين بدقائق الأحكام الشرعية وهذا ليس بمستحيل لو أنهم بذلوا الجهد الذهني المطلوب وحركوا عقولهم قليلاً. وهذه دعوة عظيمة لو تأملناها جيداً لوجدنا فيها إدراكاً من الشيخ سلمان للخطورة التي ينطوي عليها الاستسلام المطلق لمثل هذه البرامج.
إن الضرر الذي تقدمه برامج الإفتاء يتمثل في أنها تحولت إلى دافع للكسل والخمول العقلي للفرد المسلم الذي لم يعد يطيق القراءة ولا البحث الجاد بل لا يريد أن يبذل أدنى جهد في سبيل معرفة أحكام دينه بطريقة منهجية عميقة وموسوعية تفيده على المدى البعيد حيث استبدل هذا كله بوسيلة سهلة للغاية لا تكلفه سوى اتصال بسيط على قناة فضائية يطرح بواسطته سؤالاً ثم يحصل على إجابة جاهزة ثم يبدأ في التطبيق فوراً. الأمر الذي أدى إلى خمول المسلم وتواكله واعتماده على عقول الغير في تسيير أمور حياته وهذا يتنافى مع تعاليم الدين الحنيف الذي ما جاء إلا ليمنح أفراده الاستقلال الكامل في كل نواحيهم الأخلاقية والروحية والفكرية.
المشكلة أن المشاهدين قد استسلموا فعلاً لهذه البرامج وعطلوا عقولهم عن التفكير حتى في المسائل البديهية الصغيرة التي تدخل في حكم المعلوم في الدين بالضرورة. وما يثير العجب أن بعضاً ممن تصدوا للإفتاء في هذه البرامج يسعد بمثل هذه الأسئلة ويجيب عليها بارتياح شديد في حين كان عليه أن يتضايق من تكرارها ومن تهافتها. إن المشاهد الذي لا يزال يسأل عن حكم "النمص" و"إزالة شعر الحواجب" وعن "قطرة العين هل تفسد الصوم؟" لاشك أنه بحاجه إلى بناء الوعي وتنمية أدوات التفكير أكثر من حاجته إلى أجوبة سهلة وسريعة.. وليت كل علمائنا مثل سلمان العودة الذي أدرك هذا فأخذ يحث المشاهد على أن يقرأ ويبحث باستقلالية تامة..
*نقلا عن جريدة "الرياض" السعودية
لو حكمنا على الأمر من ظاهره لقلنا أن كثرة برامج الفتاوى الدينية التي ستعرضها القنوات الفضائية في شهر رمضان هي من دلائل الخير التي ينبغي الفرح لها وتشجيعها لأنها -وهذا لا جدال فيه- تبدو أكثر ملاءمة لروحانية الشهر الفضيل من المسلسلات الدرامية التي امتلأت بكل ما هو خادش ومزعج، كما أنها تثبت حرص الناس على معرفة أمور دينهم ما صغر منها وما كبر.. وهذا ما يبدو من الظاهر.. لكن لو نظرنا إلى الأمر من زاوية أخرى فسنجد أن هذه البرامج تحمل دلالات سلبية تثبت عكس ما نعتقده فيها.
ولكي أوضح ما أقصده دعني انطلق من كلمة قالها الشيخ الدكتور سلمان العودة قبل سنة في برنامجه المميز "حجر الزاوية" عندما وجه حديثه إلى المشاهدين طالباً منهم الكف عن طرح الأسئلة البسيطة التي يمكنهم العثور على جواب لها بسهولة لو أنهم اجتهدوا قليلاً وبحثوا عنها في بطون الكتب المتوفرة في جميع المكتبات.
لقد طلب الشيخ سلمان من المشاهدين أن لا يعتمدوا عليه في الحصول على المعلومة وأن يكونوا أكثر استقلالية وإيجابية وأن يقرأوا الكتب وأن يجتهدوا في البحث. إنه يطلب منهم أن يكونوا مثله قراء باحثين جادين عارفين بدقائق الأحكام الشرعية وهذا ليس بمستحيل لو أنهم بذلوا الجهد الذهني المطلوب وحركوا عقولهم قليلاً. وهذه دعوة عظيمة لو تأملناها جيداً لوجدنا فيها إدراكاً من الشيخ سلمان للخطورة التي ينطوي عليها الاستسلام المطلق لمثل هذه البرامج.
إن الضرر الذي تقدمه برامج الإفتاء يتمثل في أنها تحولت إلى دافع للكسل والخمول العقلي للفرد المسلم الذي لم يعد يطيق القراءة ولا البحث الجاد بل لا يريد أن يبذل أدنى جهد في سبيل معرفة أحكام دينه بطريقة منهجية عميقة وموسوعية تفيده على المدى البعيد حيث استبدل هذا كله بوسيلة سهلة للغاية لا تكلفه سوى اتصال بسيط على قناة فضائية يطرح بواسطته سؤالاً ثم يحصل على إجابة جاهزة ثم يبدأ في التطبيق فوراً. الأمر الذي أدى إلى خمول المسلم وتواكله واعتماده على عقول الغير في تسيير أمور حياته وهذا يتنافى مع تعاليم الدين الحنيف الذي ما جاء إلا ليمنح أفراده الاستقلال الكامل في كل نواحيهم الأخلاقية والروحية والفكرية.
المشكلة أن المشاهدين قد استسلموا فعلاً لهذه البرامج وعطلوا عقولهم عن التفكير حتى في المسائل البديهية الصغيرة التي تدخل في حكم المعلوم في الدين بالضرورة. وما يثير العجب أن بعضاً ممن تصدوا للإفتاء في هذه البرامج يسعد بمثل هذه الأسئلة ويجيب عليها بارتياح شديد في حين كان عليه أن يتضايق من تكرارها ومن تهافتها. إن المشاهد الذي لا يزال يسأل عن حكم "النمص" و"إزالة شعر الحواجب" وعن "قطرة العين هل تفسد الصوم؟" لاشك أنه بحاجه إلى بناء الوعي وتنمية أدوات التفكير أكثر من حاجته إلى أجوبة سهلة وسريعة.. وليت كل علمائنا مثل سلمان العودة الذي أدرك هذا فأخذ يحث المشاهد على أن يقرأ ويبحث باستقلالية تامة..
*نقلا عن جريدة "الرياض" السعودية