حرب استرالية على مدرسة إسلامية
علاء البشبيشي 24/5/1429
29/05/2008
ما إن فكر مسلمو استراليا في بناء مدرسة إسلامية لأبنائهم، حتى قامت الدنيا عليهم ولم تقعد، ففارت النفوس، وخرجت المظاهرات، وقُدِّمت الشكاوى، وتعالت الاحتجاجات، الأمر الذي انتهى برفض رسمي لتدشين المدرسة.
هذا خلاصة ما يحدث الآن للمسلمين في استراليا، التي شهدت تواجدًا للمسلمين فيها منذ أكثر من مائتي عام، وتضم حاليًا زهاء الـ 280 ألفًا، يعيش معظمهم في مدينَتَيْ سيدني وملبورن.
فوبيا قانونية
فقد طالعتنا هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، يوم الثلاثاء الماضي، بنبأ رفض السلطات في مدينة كامدن الاسترالية، إحدى ضواحي سيدني، مطالب المسلمين ببناء مدرسة إسلامية لأطفالهم، زاعمين أن قرارهم يعتمد على أسس تخطيطية ومهنية، مستشهدين بتقرير داخلي حول "الآثار البيئية" المترتبة على هذا المشروع.
وبحسب صحيفة "إنترناشونال هيرالد تريبيون" فقد صوَّت المجلس المحلي "بالإجماع" برفض مطالب المسلمين المتكررة ببناء مدرسة تضم 1200 طالب، وتصل تكلفة بنائها إلى 9,2 مليون دولار.
ووفقًا لصحيفة "ذا سيدني مورنينج هيرالد" فقد حضر الاجتماع مائتان من السكان المحليين، وسط إجراءات أمنية مشددة، وبعد إعلان قرار الرفض اندفع الحاضرون في موجة من التصفيق الحار!
وفي نفي أشبه ما يكون بالاعتراف، أكد عمدة كامدن كريس باترسون أن "قرار الرفض لم يكن نابعًا من خلفيات دينية أو قومية"!
أكثر ما ينبغي أن يُسلط عليه الضوء في هذا القرار الرافض لبناء المدرسة، أنه جاء بعد – إن لم يكن استجابة لها – حملة عاصفة شنها مئات المعارضين.
احتجاجات منظمة
وقد قوبل مشروع تدشين مدرسة لـ 1200 تلميذ، على أرض اشترتها إحدى المنظمات الإسلامية، بموجة احتجاج كبيرة من قبل سكان كامدن، بدعوى أن المدرسة ستكون أكبر حجمًا مما تتحمله بلدة ريفية صغيرة، فيما ذكرت (بي بي سي) أن سلطات كامدن تلقت 3200 عريضة احتجاج ضد بناء المدرسة، بعضها بحجة تسبب المدرسة بأزمة في المواصلات، والأخرى تتعلل بالازدحام الذي سيحصل نتيجة تدشين المدرسة..وغير ذلك من الحجج التي لا تنتهي!
وكانت التوترات قد وصلت ذروتها في نوفمبر الماضي، حينما رُمي رأس خنزيرين في المكان الذي خصصه المسلمون لبناء المدرسة، وتبع ذلك تظاهرات شارك فيها المئات، وبصورة غريبة تحولت القضية إلى أزمة كامدن الكبرى!
أكثر التصريحات التي لاقت قبولًا لدى المعترضين، ودفعتهم للتصفيق الحار، كانت من عجوز في السبعينات من عمره، قال فيه: "هل أستطيع قول ذلك دون أن أكون عنصريًا أو سياسيًا؟، في عام 1983، في شوارع لندن، كانت مجموعة من المسلمين ينشدون، قائلين: إذا استطعنا السيطرة على لندن، سيمكننا السيطرة على العالم"، ثم أردف العجوز مخاطبًا الحضور: "لا تدعوهم يسيطرون على كامدن"!
نيك برايانت مراسل (بي بي سي) في سيدني، بدا هو الآخر مناصرًا لقرار الرفض، حين قال: "يعتبر المسلمون أقلية في كامدن، فعددهم لا يتجاوز 150 عائلة، مما يعني أن رواد هذه المدرسة سيتم نقلهم من سيدني في حافلات ربما تستغرق رحلتها ساعةً كل يوم، في إشارة إلى أن ذلك سيتسبب في زحامٍ بسبب الشاحنات التي ستُقِلّ الطلاب.
إنصاف
صحيفة "ذي أستراليان" نقلت أحد الآراء المنصفة للكاردينال الكاثوليكي، جورج بيل، والتي قال فيها: إنه لا يعارض -مطلقًا- بناء مدرسة إسلامية غربي سيدني.
وفي تصريح صحفي، قال بيل: من حق كل من يعيشون في استراليا أن يحصلوا على فرصة عادلة، ومن حق المسلمين أن يحصلوا أيضًا على ذلك. كما طالب رئيس أساقفة سيدني بإعطاء فرصة عادلة للمسلمين في البلاد.
صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية اعتبرت ما حدث "إظهارًا للجانب الأسود لدى سكان الضاحية تجاه المسلمين"، مشيرة بأصابع الاتهام إلى من وصفتهم بـ "المتشددين المسيحيين، والسياسيين اليمينيين المتطرفين، ممن لا علاقة لهم بالمنطقة"، متهمةً إياهم بإِذْكَاء نار المعارضة ضد المسلمين.
نبض المسلمين
مسلمو استراليا يرون أن ما حدث لم يكن إلا غيضًا من فيضِ حقد عتيق، وكراهية قديمة للمسلمين، مؤكدين أن ما أخفته صدور المعارضين أكبر مما قالوه.
تقول السيدة منى هلال، مسلمة تعيش في استراليا، تعليقًا على هذه الجلبة: "الذرائع التي يحتجون بها -مثل الازدحام، والبيئة، والأماكن الزراعية، والمراعي وغيرها، من الممكن تسويتها وإيجاد حلول لها، فقط إذا توافرت النية لديهم في ذلك، لكن ذلك ليس من مصلحتهم، وليس ما يريدونه. إن كل ما يحتجُّون به يُعتبر ذرائع واهية وحُجَجًا فارغة.
مُرْدِفَةً، في تصريح خاص للإسلام اليوم: "لم نسمع يومًا بمثل ذلك يحدث عند التقدم بطلبٍ لبناء مدرسة يهودية جديدة، أو حتى معبدٍ لليهود هنا؟ ولو حدث اعتراض، لقامت الدنيا، ولم تقعد.
وأرجعت "منى هلال" الأزمة لما بعد حادث 11 سبتمبر، مشيرةً إلى أن "المسلمين يعانُون الأمَرَّيْن منذ هذا الحادث، وخصوصًا من ناحية موافقة المجالس البلدية والمجالس الأهلية (السكان) على فتح وبناء مدارس إسلامية ومساجد جديدة في مناطق كثيرة".
وبدورها قالت "الجمعية القرآنية" المسئولة عن المشروع: إن من حق المسلمين في استراليا تعليمَ أطفالهم أينما شاءوا، بغضّ النظر عنِ الدِّين أو العنصر.
وقد حذرت منظمات إسلامية عديدة من أن هذا القرار قد يؤثر سلبًا على صورة التعدد الثقافي في استراليا.
ليست النهاية
رغم أن الجمعية القرآنية لم تكن مُمَثَّلَةً في الاجتماع الذي رفض بناء المدرسة، لكنها ما زالت قادرةً على الطعن في القرار أمام المحكمة.
كما أعرب عمدة كامدن، كريس باترسون، عن ترحيبه بأي طلبٍ من الجمعية لإقامة مدرسة إسلامية، لكن في موقع آخر.
"منى هلال" أيضًا سلطت الضوء على نقطة جوهرية، في هذه الأزمة، وهي: أن سبب ما يحدث حاليًا، يرجع إلى الحال المعروفة عند المسلمين في كل مكان، من التفكك والتشتت"، مضيفةً: " فليس لنا رأي يُعْتَدُّ به ولا ممثلون في الأماكن العليا من الحكومة، ولهذا لا يُؤْبَهُ بنا، ولا يُسْتَمَعُ لآرائنا، وليس لنا مهابة - للأسف - ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولو كان لنا تمثيلٌ قويٌّ في الأماكن المهمة لما حدث ما حدث هنا، وما يحدث بصورة متكررة ودائمة!
علاء البشبيشي 24/5/1429
29/05/2008
ما إن فكر مسلمو استراليا في بناء مدرسة إسلامية لأبنائهم، حتى قامت الدنيا عليهم ولم تقعد، ففارت النفوس، وخرجت المظاهرات، وقُدِّمت الشكاوى، وتعالت الاحتجاجات، الأمر الذي انتهى برفض رسمي لتدشين المدرسة.
هذا خلاصة ما يحدث الآن للمسلمين في استراليا، التي شهدت تواجدًا للمسلمين فيها منذ أكثر من مائتي عام، وتضم حاليًا زهاء الـ 280 ألفًا، يعيش معظمهم في مدينَتَيْ سيدني وملبورن.
فوبيا قانونية
فقد طالعتنا هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، يوم الثلاثاء الماضي، بنبأ رفض السلطات في مدينة كامدن الاسترالية، إحدى ضواحي سيدني، مطالب المسلمين ببناء مدرسة إسلامية لأطفالهم، زاعمين أن قرارهم يعتمد على أسس تخطيطية ومهنية، مستشهدين بتقرير داخلي حول "الآثار البيئية" المترتبة على هذا المشروع.
وبحسب صحيفة "إنترناشونال هيرالد تريبيون" فقد صوَّت المجلس المحلي "بالإجماع" برفض مطالب المسلمين المتكررة ببناء مدرسة تضم 1200 طالب، وتصل تكلفة بنائها إلى 9,2 مليون دولار.
ووفقًا لصحيفة "ذا سيدني مورنينج هيرالد" فقد حضر الاجتماع مائتان من السكان المحليين، وسط إجراءات أمنية مشددة، وبعد إعلان قرار الرفض اندفع الحاضرون في موجة من التصفيق الحار!
وفي نفي أشبه ما يكون بالاعتراف، أكد عمدة كامدن كريس باترسون أن "قرار الرفض لم يكن نابعًا من خلفيات دينية أو قومية"!
أكثر ما ينبغي أن يُسلط عليه الضوء في هذا القرار الرافض لبناء المدرسة، أنه جاء بعد – إن لم يكن استجابة لها – حملة عاصفة شنها مئات المعارضين.
احتجاجات منظمة
وقد قوبل مشروع تدشين مدرسة لـ 1200 تلميذ، على أرض اشترتها إحدى المنظمات الإسلامية، بموجة احتجاج كبيرة من قبل سكان كامدن، بدعوى أن المدرسة ستكون أكبر حجمًا مما تتحمله بلدة ريفية صغيرة، فيما ذكرت (بي بي سي) أن سلطات كامدن تلقت 3200 عريضة احتجاج ضد بناء المدرسة، بعضها بحجة تسبب المدرسة بأزمة في المواصلات، والأخرى تتعلل بالازدحام الذي سيحصل نتيجة تدشين المدرسة..وغير ذلك من الحجج التي لا تنتهي!
وكانت التوترات قد وصلت ذروتها في نوفمبر الماضي، حينما رُمي رأس خنزيرين في المكان الذي خصصه المسلمون لبناء المدرسة، وتبع ذلك تظاهرات شارك فيها المئات، وبصورة غريبة تحولت القضية إلى أزمة كامدن الكبرى!
أكثر التصريحات التي لاقت قبولًا لدى المعترضين، ودفعتهم للتصفيق الحار، كانت من عجوز في السبعينات من عمره، قال فيه: "هل أستطيع قول ذلك دون أن أكون عنصريًا أو سياسيًا؟، في عام 1983، في شوارع لندن، كانت مجموعة من المسلمين ينشدون، قائلين: إذا استطعنا السيطرة على لندن، سيمكننا السيطرة على العالم"، ثم أردف العجوز مخاطبًا الحضور: "لا تدعوهم يسيطرون على كامدن"!
نيك برايانت مراسل (بي بي سي) في سيدني، بدا هو الآخر مناصرًا لقرار الرفض، حين قال: "يعتبر المسلمون أقلية في كامدن، فعددهم لا يتجاوز 150 عائلة، مما يعني أن رواد هذه المدرسة سيتم نقلهم من سيدني في حافلات ربما تستغرق رحلتها ساعةً كل يوم، في إشارة إلى أن ذلك سيتسبب في زحامٍ بسبب الشاحنات التي ستُقِلّ الطلاب.
إنصاف
صحيفة "ذي أستراليان" نقلت أحد الآراء المنصفة للكاردينال الكاثوليكي، جورج بيل، والتي قال فيها: إنه لا يعارض -مطلقًا- بناء مدرسة إسلامية غربي سيدني.
وفي تصريح صحفي، قال بيل: من حق كل من يعيشون في استراليا أن يحصلوا على فرصة عادلة، ومن حق المسلمين أن يحصلوا أيضًا على ذلك. كما طالب رئيس أساقفة سيدني بإعطاء فرصة عادلة للمسلمين في البلاد.
صحيفة "ذي إندبندنت" البريطانية اعتبرت ما حدث "إظهارًا للجانب الأسود لدى سكان الضاحية تجاه المسلمين"، مشيرة بأصابع الاتهام إلى من وصفتهم بـ "المتشددين المسيحيين، والسياسيين اليمينيين المتطرفين، ممن لا علاقة لهم بالمنطقة"، متهمةً إياهم بإِذْكَاء نار المعارضة ضد المسلمين.
نبض المسلمين
مسلمو استراليا يرون أن ما حدث لم يكن إلا غيضًا من فيضِ حقد عتيق، وكراهية قديمة للمسلمين، مؤكدين أن ما أخفته صدور المعارضين أكبر مما قالوه.
تقول السيدة منى هلال، مسلمة تعيش في استراليا، تعليقًا على هذه الجلبة: "الذرائع التي يحتجون بها -مثل الازدحام، والبيئة، والأماكن الزراعية، والمراعي وغيرها، من الممكن تسويتها وإيجاد حلول لها، فقط إذا توافرت النية لديهم في ذلك، لكن ذلك ليس من مصلحتهم، وليس ما يريدونه. إن كل ما يحتجُّون به يُعتبر ذرائع واهية وحُجَجًا فارغة.
مُرْدِفَةً، في تصريح خاص للإسلام اليوم: "لم نسمع يومًا بمثل ذلك يحدث عند التقدم بطلبٍ لبناء مدرسة يهودية جديدة، أو حتى معبدٍ لليهود هنا؟ ولو حدث اعتراض، لقامت الدنيا، ولم تقعد.
وأرجعت "منى هلال" الأزمة لما بعد حادث 11 سبتمبر، مشيرةً إلى أن "المسلمين يعانُون الأمَرَّيْن منذ هذا الحادث، وخصوصًا من ناحية موافقة المجالس البلدية والمجالس الأهلية (السكان) على فتح وبناء مدارس إسلامية ومساجد جديدة في مناطق كثيرة".
وبدورها قالت "الجمعية القرآنية" المسئولة عن المشروع: إن من حق المسلمين في استراليا تعليمَ أطفالهم أينما شاءوا، بغضّ النظر عنِ الدِّين أو العنصر.
وقد حذرت منظمات إسلامية عديدة من أن هذا القرار قد يؤثر سلبًا على صورة التعدد الثقافي في استراليا.
ليست النهاية
رغم أن الجمعية القرآنية لم تكن مُمَثَّلَةً في الاجتماع الذي رفض بناء المدرسة، لكنها ما زالت قادرةً على الطعن في القرار أمام المحكمة.
كما أعرب عمدة كامدن، كريس باترسون، عن ترحيبه بأي طلبٍ من الجمعية لإقامة مدرسة إسلامية، لكن في موقع آخر.
"منى هلال" أيضًا سلطت الضوء على نقطة جوهرية، في هذه الأزمة، وهي: أن سبب ما يحدث حاليًا، يرجع إلى الحال المعروفة عند المسلمين في كل مكان، من التفكك والتشتت"، مضيفةً: " فليس لنا رأي يُعْتَدُّ به ولا ممثلون في الأماكن العليا من الحكومة، ولهذا لا يُؤْبَهُ بنا، ولا يُسْتَمَعُ لآرائنا، وليس لنا مهابة - للأسف - ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولو كان لنا تمثيلٌ قويٌّ في الأماكن المهمة لما حدث ما حدث هنا، وما يحدث بصورة متكررة ودائمة!