حول العالم
"بلد بتاع شهادات"
فهد عامر الأحمدي
في مسرحية لا أتذكر اسمها يضرب فؤاد المهندس كفاً بكف ويقول "صحيح بلد بتاع شهادات" .. وهي جملة تهكمية تنطبق على كافة المجتمعات العربية - ويتداولها الناس كثيرا في الشارع المصري !
ولعلكم تذكرون أنني كتبت قبل أيام مقالا بعنوان (شهادات بالكيلو) تحدثت فيه عن محاولة بيعي شهادة جامعية في ولاية منسوتا عام 1989، وكان المقال بمناسبة إصدار وزارة العدل الأمريكية قائمة سوداء تتضمن عشرة آلاف شخص يحملون شهادات علمية مزورة .. ومن بين هؤلاء (العشرة آلاف) يوجد 70سعوديا يعملون حاليا في مناصب ومهن لا يستهان بها - من بينهم امرأة حصلت على تخصص مزور في أمراض النساء والولادة (حسب صحيفةSpokesMan- review من واشنطن) !!
... كما تحدثت عن كتاب يدعى مصانع الدبلوما أو diploma factory يناقش ظاهرة تزوير الشهادات العليا في أمريكا ويتهم السعوديين بوجه خاص .. ففي هذا الكتاب يضع فيه المؤلفان (ديفيد وستيوارت) الطلبة السعوديين والهنود والصينيين كأكثر الجنسيات إقبالا على الشهادات المزورة (ولاحظ أنها تهمة وردت في كتاب طبع قبل 21عاما) !!
... ولأن المقال أثار ردود فعل كبيرة وكثيرة - كما يتضح من موقع الزاوية الإلكتروني - أردت تذكيركم اليوم بالوجه الآخر لهذه الظاهرة السلبية ...
... تذكيركم بأننا نعيش في مجتمع "بتاع شهادات" ينظر للدرجات الأكاديمية كمقياس وحيد للمستوى العلمي والمعرفي (في حين ان المقياس الحقيقي هو: ماذا يعرف وماذا أبدع وماذا قدم للتخصص الذي ينتسب إليه؟)
فحين ننظر لرؤساء الأقسام في الدول المتقدمة نجد كثيرا منهم لايحملون درجات أكاديمية عليا ومع هذا يشرفون على عدد كبير من رسائل الماجستير والدكتوراة (بل أذكر أنني كتبت مقالا بعنوان : لماذا لم يحصل العباقرة على شهادات جامعية !؟) .. وهذه الحقيقة قد تبدو غير مفهومة في وسطنا الأكاديمي ولكنها دليل على تقدير المجتمعات الأخرى للإبداع الفعلي وتقييمها للمستوى المعرفي (بطريقة مختلفة) ..
أما حين يحتمي أحدهم بكمّ هائل من الاختام والأوراق المؤطرة فيحق لنا التساؤل عن عقدة النقص التي يعانيها وعن المجتمع الذي دفعه لتجميع اكبر قدر منها .. فحين يسعى الشاب لنيل (أي تخصص) وحين ينتسب الموظف (لأي قسم) وحين يحتمي المدير ب(حيالله) شهادة فهم بذلك يسايرون التيار ويحققون شرطاً وظيفياً أو بنداً إدارياً لا أكثر !!
وبدل أن يسألني البعض عن أسماء ال( 70سعوديا) في القائمة السابقة تمنيت لو سألوا أنفسهم :
@ لماذا أصبحت الدرجة الأكاديمية لدينا مجرد مطلب وظيفي وشرط للترقية !
@ لماذا تحولت الدكتوراه الى منزلة اجتماعية لا نتذكر منها سوى حرف "الدال" !!
@ لماذا نهتم بالشهادة - وكم الأوراق المختومة - وليس بمانح الشهادة وسمعته الأكاديمية ؟
@ لماذا تلفت انتباهنا الدرجة الأكاديمية (ماجستير أو دكتوراه) ولا يعنينا إن كانت "دكتوراة" في الفيزياء النووية أو في تربية البط !؟
***
... وبمناسبة تربية البط .. صادف أن حضرت اجتماعا لمجلس المنطقة في وقت نال فيه أحد الأعضاء درجة الدكتوراه من دولة مجاورة .. ولأننا شعب لطيف ومجامل (لا نهتم بغير حرف الدال) تقدم أعضاء المجلس لتهنئته الواحد تلو الآخر ولم يسأله (أي منهم) عن طبيعة التخصص أو المجال الأكاديمي الذي نال عليه هذه الدرجة ..
وحين انتهى الاجتماع تقدمت لتهنئته بنفسي ثم سألته : هل لي أن أعرف مجال الدكتوراة بالضبط !؟ .. وهنا اختفت الابتسامة وصمت لثوان (كأنه يتذكر) ولم ينقذ الموقف سوى سكرتيره الذي تدخل وقال شيئا لايختلف كثيرا عن تربية البط ..
"بلد بتاع شهادات"
فهد عامر الأحمدي
في مسرحية لا أتذكر اسمها يضرب فؤاد المهندس كفاً بكف ويقول "صحيح بلد بتاع شهادات" .. وهي جملة تهكمية تنطبق على كافة المجتمعات العربية - ويتداولها الناس كثيرا في الشارع المصري !
ولعلكم تذكرون أنني كتبت قبل أيام مقالا بعنوان (شهادات بالكيلو) تحدثت فيه عن محاولة بيعي شهادة جامعية في ولاية منسوتا عام 1989، وكان المقال بمناسبة إصدار وزارة العدل الأمريكية قائمة سوداء تتضمن عشرة آلاف شخص يحملون شهادات علمية مزورة .. ومن بين هؤلاء (العشرة آلاف) يوجد 70سعوديا يعملون حاليا في مناصب ومهن لا يستهان بها - من بينهم امرأة حصلت على تخصص مزور في أمراض النساء والولادة (حسب صحيفةSpokesMan- review من واشنطن) !!
... كما تحدثت عن كتاب يدعى مصانع الدبلوما أو diploma factory يناقش ظاهرة تزوير الشهادات العليا في أمريكا ويتهم السعوديين بوجه خاص .. ففي هذا الكتاب يضع فيه المؤلفان (ديفيد وستيوارت) الطلبة السعوديين والهنود والصينيين كأكثر الجنسيات إقبالا على الشهادات المزورة (ولاحظ أنها تهمة وردت في كتاب طبع قبل 21عاما) !!
... ولأن المقال أثار ردود فعل كبيرة وكثيرة - كما يتضح من موقع الزاوية الإلكتروني - أردت تذكيركم اليوم بالوجه الآخر لهذه الظاهرة السلبية ...
... تذكيركم بأننا نعيش في مجتمع "بتاع شهادات" ينظر للدرجات الأكاديمية كمقياس وحيد للمستوى العلمي والمعرفي (في حين ان المقياس الحقيقي هو: ماذا يعرف وماذا أبدع وماذا قدم للتخصص الذي ينتسب إليه؟)
فحين ننظر لرؤساء الأقسام في الدول المتقدمة نجد كثيرا منهم لايحملون درجات أكاديمية عليا ومع هذا يشرفون على عدد كبير من رسائل الماجستير والدكتوراة (بل أذكر أنني كتبت مقالا بعنوان : لماذا لم يحصل العباقرة على شهادات جامعية !؟) .. وهذه الحقيقة قد تبدو غير مفهومة في وسطنا الأكاديمي ولكنها دليل على تقدير المجتمعات الأخرى للإبداع الفعلي وتقييمها للمستوى المعرفي (بطريقة مختلفة) ..
أما حين يحتمي أحدهم بكمّ هائل من الاختام والأوراق المؤطرة فيحق لنا التساؤل عن عقدة النقص التي يعانيها وعن المجتمع الذي دفعه لتجميع اكبر قدر منها .. فحين يسعى الشاب لنيل (أي تخصص) وحين ينتسب الموظف (لأي قسم) وحين يحتمي المدير ب(حيالله) شهادة فهم بذلك يسايرون التيار ويحققون شرطاً وظيفياً أو بنداً إدارياً لا أكثر !!
وبدل أن يسألني البعض عن أسماء ال( 70سعوديا) في القائمة السابقة تمنيت لو سألوا أنفسهم :
@ لماذا أصبحت الدرجة الأكاديمية لدينا مجرد مطلب وظيفي وشرط للترقية !
@ لماذا تحولت الدكتوراه الى منزلة اجتماعية لا نتذكر منها سوى حرف "الدال" !!
@ لماذا نهتم بالشهادة - وكم الأوراق المختومة - وليس بمانح الشهادة وسمعته الأكاديمية ؟
@ لماذا تلفت انتباهنا الدرجة الأكاديمية (ماجستير أو دكتوراه) ولا يعنينا إن كانت "دكتوراة" في الفيزياء النووية أو في تربية البط !؟
***
... وبمناسبة تربية البط .. صادف أن حضرت اجتماعا لمجلس المنطقة في وقت نال فيه أحد الأعضاء درجة الدكتوراه من دولة مجاورة .. ولأننا شعب لطيف ومجامل (لا نهتم بغير حرف الدال) تقدم أعضاء المجلس لتهنئته الواحد تلو الآخر ولم يسأله (أي منهم) عن طبيعة التخصص أو المجال الأكاديمي الذي نال عليه هذه الدرجة ..
وحين انتهى الاجتماع تقدمت لتهنئته بنفسي ثم سألته : هل لي أن أعرف مجال الدكتوراة بالضبط !؟ .. وهنا اختفت الابتسامة وصمت لثوان (كأنه يتذكر) ولم ينقذ الموقف سوى سكرتيره الذي تدخل وقال شيئا لايختلف كثيرا عن تربية البط ..