نحن و الوجبات السريعة.. من يلتهم الآخر؟
د. فراس عالم 9/4/1427
07/05/2006
الكتاب: حضارة الوجبات السريعة
المؤلف: ايريك سلوشر
الناشر: الدار العربية للعلوم
ما الذي يمكن أن يقدمه كتاب جديد عن الوجبات السريعة؟ المزيد من الهجاء في شطيرة الهمبرجر؟ تحذيرات من أثرها على الصحة العامة، و دورها الخطير في أمراض مثل: السمنة و تصلب الشرايين، و ارتفاع ضغط الدم، و نقص الفيتامينات....إلخ
تلك القائمة العريضة من الاتهامات الصحيحة رغم كل شيء!!
ذلك ما قد يتبادر إلى الذهن عند قراءة عنوان الكتاب الجديد للمؤلف الأمريكي (ايريك سلوشر) "أمة الوجبات السريعة" أو "حضارة الوجبات السريعة" كما ترجمته الدار العربية للعلوم في طبعته العربية.
لكن في الحقيقة و على الرغم من أن الكتاب أفرد فصولاً عدة في تبيين الأثر الصحي للوجبات السريعة- إلا أنه أبعد ما يكون عن اعتباره مجرد نص في هجاء الهمبرجر؛ فهو يتناول الوجبات السريعة بمفهومها الحضاري الشامل و أثرها على المجتمع ككل من نواح متعددة ثقافية واقتصادية و اجتماعية أيضاً. فالمؤلف ينظر إلى الطعام على أنه أكثر من مجرد وجبة؛ بل فعل و مفهوم حضاري، يعكس تطور أو تدهور الحضارة انطلاقاً من فهم أعمق للمثل القائل (أنت ما تأكله).
ولقد أصبحت الوجبات السريعة بناءً على هذا المفهوم أبرز مكوّن للثقافة الأمريكية خلال ثلاثة عقود فقط، ومن أكشاك صغيرة للنقانق في كاليفورنيا الجنوبية إلى تجارة يتجاوز حجمها (110) مليار دولار في عام 2001، أي أن الأمريكيين أنفقوا على الوجبات السريعة أكثر مما أنفقوه على التعليم العالي أو الحواسب الشخصية أو برامج الكمبيوتر أو السيارات. وأكثر من الأفلام السينمائية و الكتب و المجلات و الصحف وشرائط الفيديو و الموسيقى المسجلة مجتمعة!.
يعتقد المؤلف أن الضرر الأكبر الذي أحدثته شركات الوجبات السريعة ليس صحياً فحسب؛ بل يتعدى ذلك إلى أثر ثقافي اقتصادي يتمثل في تأسيس اقتصاد ينبني على التماثل و منح الامتياز، و نشر مبدأ أنت لن تنجح ما لم تنضم إلى فريقنا، و تتخلى عن خصوصيتك. و مبدأ التماثل هذا أو (الماكدنلة) كما يسميها المؤلف لم يقتصر على عالم الوجبات السريعة؛ بل تعداه إلى كل أوجه النشاط الاقتصادي الأمريكي و الدولي فيما بعد؛ إذ أصبح كل مظهر من مظاهر الحياة الأمريكية –تقريباً- إما مسلسلاً "تابعاً لسلسلة أو حاصلاً على حق امتياز. و هكذا بإمكان الإنسان الانتقال من المهد إلى اللحد بدون أن ينفق قرشاً واحداً على مؤسسة مستقلة.. لقد مُنحت حفنة من الشركات درجة غير مسبوقة من النفوذ على مخزون الأمة".
لكن أكثر ما يميز الكتاب منهجيته الشاملة في التوثيق و التحليل متتبعاً صناعة الوجبات السريعة منذ النشأة الأولى لها، و الأسباب الاجتماعية و الاقتصادية التي ساعدت على بزوغها، ثم ينتقل خلف طاولة البيع ليعرض الأساليب التي تتّبعها الشركات في توظيف عمالها و الإستراتيجية الغريبة التي تتبناها (لا لعمال دائمين..لا لعمال مهرة) حيث إن العامل القديم يكلف الشركة مبالغ متزايدة كل عام و يحصل على حقوق متزايدة مع الوقت؛ لذلك تفضل الشركات الاعتماد على عمال مؤقتين من طلبة الجامعات و المهاجرين الأجانب الذين يرضون براتب قليل و يتركون العمل بعد فترة قصيرة دون أن يُطالبوا بإجازات أو علاوات أو راتب تقاعدي؛ ولأجل ذلك راهنت الشركات على الآلة، فكل الوجبات السريعة مطهوّة مسبقا و لا تحتاج إلا لتسخين بسيط في أجهزة عملاقة مسبقة الضبط، كما أنه لا حاجة لإضافة التوابل لأن مصانع النكهات الصناعية العملاقة قد أضافت كل شيء مسبقاً إلى البطاطا و اللحم نكهات لذيذة من كل نوع لا علاقة لها بجودة اللحم و طزاجته.
ويكشف المؤلف في فصل تالٍ الأسباب التي تجعل المقالي لذيذة الطعم، تجربة أجراها في شركة الروائح و المنكهات الدولية التي تصنع النكهات و الروائح لشركات الوجبات السريعة فيقول: "أغلقت عيني و استنشقت بشكل عميق أحسست بروائح الأطعمة واحدة تلو الأخرى ..شممت رائحة كرز طازج و زيتون أسود و بصل مقلي و قريدس ثم رائحة همبرغر مشوية، و كانت رائحة لذيذة غير معلبة و كأن شخصاً يقلب قطع الهمبرغر على شواية حامية قريبة، و لكن عندما فتحت عيني لم يكن هناك سوى قطعة صغيرة من الورق و درزينة من الزجاجات الصغيرة، وعالم نكهة يبتسم"!!
لكن الأسوأ بالفعل هو ما يأتي لاحقاً عندما يجوب (ايريك سلوشر) خلف مصادر الوجبات اللذيذة الطعم معظم الولايات الأمريكية تقريباً ليزور مزارع الأبقار و مسالخ اللحوم، و مصانع تعبئة و تغليف تلك اللحوم.
حيث يفرد لها صفحات طويلة في فصول ( مسننات في آله كبيرة، العمل الأشد خطورة، ماذا يوجد في اللحم) و تعتقد لوهلة، و هو يصف جولته داخل أحد المسالخ أنك تقرأ وصفاً لأحد أفلام الرعب المعوي، ولا تكاد تصدق أن وجبتك الشهية في القراطيس الملونة تخرج من ذلك المكان المرعب القذر!!
لكن ثمة ما قد يهمك بالفعل أن تعرفه... و لعله الفصل الأهم في الكتاب فيما يتعلق بالمستهلك العالمي من أمثالنا.. ماذا يوجد في اللحم؟
إنه السؤال الأكثر أهمية في الكتاب لقارئ لا يُعنى كثيراً بالثقافة الأمريكية أو أثر الشركات السيّئ على الاقتصاد، أو عدم أخلاقيتها في التعامل مع العمال.. ويذكر المؤلف في هذا الجانب أن:
- حوالي 75 % من القطعان في الولايات المتحدة كانت تغذى بروتينياً بواسطة فضلات المواشي – بقايا الخراف و القطعان النافقة- حتى عام 1997، كما كانت تُغذى أيضاً بوساطة الكلاب و القطط الميتة المشتراة من ملاجئ الحيوانات، و بعد ثبوت تسببها في مرض جنون البقر مُنعت مثل هذه الممارسات إلا أن القوانين الجديدة لمنظمة الغذاء و الدواء الأمريكية ما زالت تسمح بتحويل الخنازير و الأحصنة و الدواجن الميتة إلى علف للمواشي؛ بل و تسمح تلك القوانين بتغذية الدواجن بالمواشي الميتة أيضاً .... و حتى نفايات مصانع الدواجن بما فيها نشارة الخشب، و الجرائد القديمة التي تُستخدم كمهاد لترقد عليه الدواجن تدخل في غذاء المواشي الآن!
- و لزيادة الأمر سوءاً فإن الحيوانات التي تُستخدم لصنع حوالي ربع كمية اللحم في الأمة هي من ماشية الحليب المستهلكة، و هي عرضة لأن تكون مريضة و مفسدة ببقايا المضادات الحيوية التي تجعلها أقل صحة فمثلاً.. تعتمد شركة ماكدونالد على ماشية الحليب بشكل كبير من أجل مستلزمات الهمبرغر لديها فهذه الحيوانات رخيصة نسبياً، و تنتج لحماً قليل الدسم، و تسمح للشركة بالتباهي بأن كل لحم البقر لديها مربى في الولايات المتحدة الأمريكية!
- وجدت دراسة أجرتها منظمة (يو أس دي) شملت الأمة بأكملها أن 7.5 % من عينات لحم البقر المطحون أخذت من مصانع معالجة كانت ملوثة بالسلمونيلا و 11,7% بليستيريا موكوجينس و 30% ملوثة بستافيلوكوكس اوريوس و 53,3% ملوثة بكلوستريديوم بريفينجيس، و كل هذه الجراثيم تصيب الناس بالمرض؛ فعلى سبيل المثال تتطلب حاله التسمم باللستيريا عناية طبية في المستشفى، و تسبب الموت في حالة من كل خمس حالات، علاوة على ذلك لقد وجدت الدراسة أيضاً بأن 78.6% من لحم البقر المطحون كانت تحوي مادة برازية... خلف هذه المصطلحات يكمن توضيح بسيط يفسر لماذا يمكن أن يسبب أكل الهمبرغر الإصابة بالمرض!.
تغييب الرقابة..
تعاني إدارات الرقابة الفيدرالية -حسب الكاتب- من تغييب و ضغط متعمدين من قبل الحكومة و تجار صناعة اللحوم، و اللذين تحالفا عليها لفترة طويلة من الزمن لتفريغها من مضمونها و لضمان عدم إعاقة أرباح تلك الشركات " لقد كانت إستراتيجية تعليب اللحوم مدفوعة بكره غريزي عميق لأي قانون حكومي قد يخفض من أرباحها... خفضت إدارتي ريجان و بوش من الإنفاق على إجراءات الصحة العامة وزودت منظمة الزراعة في الولايات المتحدة بموظفين مهتمين بتخفيف القوانين الحكومية أكثر من اهتمامهم بسلامة الأطعمة و هكذا أصبحت إلى حد كبير لا تختلف عن الصناعات التي كانت معنية بتنظيمها"!!
الذي ينبغي أن تفعله
لو أن كاتباً عربياً أو مسلماً قال ما سوف يقوله (ايريك سلوشر) في خاتمة كتابه لاتهم بتهم كثيرة تبدأ في أبسطها بالجهل و الحماقة، و تنتهي بالخيانة و الإرهاب و تدمير اقتصاد البلاد لكن من الأسلم –ربما- أن نورد ما قاله من دون تعليق: "لا يوجد أحد في الولايات المتحدة مجبر على شراء الوجبات السريعة، و الخطوة الأولى باتجاه إحداث تحوّل مهم هي الأبسط على الإطلاق: التوقف عن شرائه.. على رؤوس برغر كينغ و كنتاكي و ماكدونالد أن تشعر بالهلع فأنتم تفوقونهم عدداً هناك ثلاثة منهم و ثلاثمائة مليون منكم.. مقاطعة جيدة و رفض للشراء يمكن أن توصل إلى ما لا توصل إليه الكلمات".